عندما كنت طفلة
عندما كنت طفلة كان كل شيءٍ جميل في عيني، أقل شيءٍ كان كافيًا لإضفاء السعادة على قلبي الصغير، كانت الحالة المادية صعبة حقًا،لكن ليس المال كل شيء،فها أنا أمتلك المال وأصبحت ميسورة الحال،لكن لا أمتلك السعادة ولست راضية عن حياتي،رغم أني عانيت كثيرًا لكني حين أسترجع الذكريات أجد نفسي التي ضاعت مني في متاهات الحياة.
أتذكر ذلك الثوب البالي الذي كنت أرتديه، ونظرة الناس لي بلطفٍ أحيانًا، وبعنفٍ أحيانًا أخرى، وذلك الثوب الذي أهداني إيٌاه أحد أقاربي من باب الشفقة؛ رغم أنه كان ليس بالجميل لكني كطفلة كنت سعيدةً به، أتذكر أبي وحنانه الذي لا أقدر على وصفه، والذي كان يحاول جاهدًا أن يوفر لنا قوت يومنا، لم يجد من يسانده لأنه لم يكن لديه ولد يتحمل المسؤلية معه، فكنت أنا وأخوتي حملًا ثقيلًا عليه،كنت أشفق عليه أحيانًا كثيرة حين أرى يديه وقد تشققتا من التعب، وأنظر إليه وهو نائم على ذلك الفراش البالي وصوت شخيره يعلو من التعب فتدمع عيناي عليه، كم تمنيت أن أكون صبيًا علٌي كنت أساعده،يرن في أذني صوت أمي وهي توقظنا في الصباح لنذهب إلى المدرسة، وعندما نعود نجد كل شيءٍ قد أعدته لنا، لم تشتك يومًا من الحمل الذي كان عليها، ومع أنها غير متعلمة،إلا أنها كانت تحاول جاهدة أن تعلمنا لنصبح شييًا تفتخر به، أعود لأجدها قد أعدت طعامي ورتبت ملابسي فأتناول ما قسمه الله لي وأتوجه إلى غرفتي لأذاكر دروسي،كانت تخشى ان تصدر صوتًا فينبعث إلى غرفتي فيشتت انتباهي، كانت ترفض ان تشتري لنفسها شيئًا لتوفر لي ولأخوتي مصاريف تعليمنا، وحتى لا تمد يدها لأحد، ها أنا الآن أصبحت شابةً في العشرين أتذكر صديقاتي اللاتي كنت ألهو معهم، نتشاجر احيانًا ونتخاصم،وما هي إلا لحظات حتى نذهب لنبني بيتًا من الرمل، نجري ونتسابق حتى يكاد قلبنا يقغ من الضحك، وها هي صورة جدي الذي كنت أحبه حبًا شديدًا معلقةً على الحائط،رحل ولم يتبق لنا منه سوى تلك الصورة القديمة، كنت أشاهده وهو يذهب للصلاة فيمسك بيدي ويمسح على رأسي وأنا أكاد أن أطير من الفرحة حين يعطيني قرشًا لأشتري غزل البنات، عندما
مات بكيت عليه بكاءًا شديدًا ولا زالت صورته محفورة في مخيلتي، كنت أذهب إلى المدرسة وأجلس في ذلك الفصل الذي أتذكره بكل تفاصيله، المعلمة التي كانت تشجعني بالكلام الطيب وتحاول جاهدةً أن أفهم كل شيء، وزميلاتي حين يأتي وقت الفسحة فنتقاسم ما لدينا من طعام، أما عن الشارع الذي كنت أسكن فيه فكان هناك جيراننا الطيبين، ودعوة الصباح منهم وأنا ذاهبة إلى المدرسة، يمر أمام عيني كل شيء كأنه حدث للتو ولم يتغير سوى أنه أصبح ماضي، ليت هذه الأيام تعود، فرغم أنها كانت قاسية، إلا أنها أجمل من أيامنا هذه،فقد تهدمت جدران البيت الذي كان يحتوينا وضاعت معه كل الذكريات الجميلة، ورحلت معلمتي التي أتذكرها وأدعو لها دائمًا في صلواتي، كبرت وكبرت معي الهموم والحمول،أنا الآن في عقدي العشرين إلا أن قلبي أصبح كهلًا، ضاع حضن أبي وأمي اللذان كانا يحملان الهم بدلًا مني وأصبحت مجبرة على أن أواجه الحياة بمفردي،تفرقت الصداقة وأصبح كل منا مشغول بحاله، لم يعد هناك بركة في شيء بعد رحيل من نحب، لقد أخذت الحياة كل شيءٍ جميل ولم تترك لنا سوى الذكرى.
مرفت سمير ضاحي
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليق لتشجيعنا