هُنا، حيثُ الهوآء مُفعَمٌ برآئحة القُيودِ تَتخلّلُها نسآئمُ الشَوقِ وَزُهورٌ نابِتَةٌ روَتهَا دمُوع أولئكَ الأمهاتُ اللّواتِي لم يتحمّلنَ رُؤيَةَ فلذَاتِ أكبادِهِنّ بِتلكَ الملابِس مُنعدِمةِ الألوان، خارِجينَ من خلفِ الأسوارِ الحديديّةِ بعد الكثير من العنآء.
هُنا، حيثُ الطُيور تَتغنّى بتغرِيدِها لِتُطرِب الجالِسين، طُيورٌ تُحلّقُ في باحاتِ سِجن! ياللسُخرِية، أتتباهَى الطُيور بِحُرّيتها أمام السُجنآء؟
وكأنّما تقُولُ لهم ها أنا أُحلّق حُرّةً أستنشِقُ هوآءً مُفعمًا برآئحةِ التمَرُّد، بينما أنتُم هُنا تستَنشِقونَ هوآءً رآئحتُه الأغلال.
هُنا، حيث الحياةُ في سُجون العسكرِ وسوآءً كُنت زائرًا أم نزيلًا، لتُهانَنّ يا عزيزي!
هُنا حيثُ الصّلاة أصبحت يُحاسبُ عليها من العِباد، جُنديٌ لا نفعَ له ولا ضَرَر لم يلبَث أن تركَ أخذَ مالِه من جيبِ أبيه بِكل عجرفَةٍ يقول "ما هذا الّذي تفعلُه؟ صَلِّ بِبيتِك!" وكأن الصلاة لم تعُد فرضًا واجبٌ تأديَتُه، بل شُبهةٌ يُسائِلُ عنها القانون، وكأنّما ملكُوا الأرض ونسِيوا أنّ الأرضَ للهِ يُورِثُها من يشآء والعاقِبَةُ للمُتّقين.
مِصر حيثُ لو استطاعوا فرضَ ضرائب على الهوآء لفرضُوها، هُنا حيثُ العبوديّة للمنصِب والمالِ، وعِش هائمًا على وجهِك إن لم تكُن في هذين الصنفين.
نحنُ أشلآءُ جُثثِ الحُريّة المغدُورة ظُلمًا وقهرًا، نحنُ من خُيّرنا بين أن نَحيا كِرامًا أو نموت، ولكِنّنا بكل أسفٍ نختارُ الموتَ أحياءً لعجزِنا عن الحياة، نعتصِمُ بحبلِ اللّه المتينِ، وندعُوهُ واهِنينَ أن يُنجِينا من هذهِ القريَةِ الظالمِ أهلُها، وأن يجعل لنَا ملّدُنه وليَّا ونصِيرًا.
-مكتوبٌ من إحدى باحاتِ انتِظار السجونِ المِصريّة.
- ماسَال محمَّد
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليق لتشجيعنا